ليست تفاحة يومياً هي ما ستبقي الطبيب بعيداً عنك، بل زراعة شجرة. وفي المناطق الحضرية، تقوم الأشجار بتظليل الأرصفة، وتمتص تلوث الهواء وتخفف من ضوضاء حركة السير، كما أن النظر إليها بهجة للناظرين. ومن خلال امتصاص الكربون الذي يتسبب في ارتفاع درجة حرارة المناخ من الغلاف الجوي، تفيد الأشجار كوكب الأرض أيضاً. واتضح أن المكاسب الصحية لكل تلك المساحات الخضراء تحسن المكاسب. ووجدت دراسة حديثة أجريت في بورتلاند، بولاية أوريجون، أنه في الأحياء التي زرعت فيها منظمة غير ربحية أشجاراً أكثر، مات عدد أقل من الناس. وهناك ورقة بحثية أعدها باحثون في دائرة الغابات الأميركية تضاف إلى مجموعة ظهرت حديثاً من الأبحاث حول الفوائد الصحية للعيش في محيط مساحات خضراء.

والنتائج التي توصل إليها ترقى إلى وصفة طبية لواضعي السياسات لزراعة مزيد من الأشجار. ويرى «جيفري دونوفان»، الباحث في خدمة الغابات الذي قاد الدراسة التي نشرت في عدد ديسمبر من مجلة البيئة الدولية أن «الأشجار في الحضر جزء أساسي من البنية التحتية للصحة العامة، ويجب معاملتها على هذا النحو».

وعلى مدى ثلاثة عقود، قامت «منظمة أصدقاء الأشجار غير الربحية» في بورتلاند بزرع ما يقارب 50 ألف شجرة من خشب البلوط وخشب القرانيا وأنواع شجرية أخرى في جميع أنحاء المدينة، ما أعطى «دونوفان» وزملاؤه بيانات دقيقة حول كيفية تغير الأوضاع بمرور الوقت. وباستخدام نموذج رياضي للتحكم في عوامل مثل العِرق والدخل والعمر والتعليم، وجد الفريق أنه لكل 100 شجرة مزروعة، كان هناك ما يقارب حالة وفاة واحدة دون حوادث في السنة. وقال «يشار فاسف»، المدير التنفيذي لجماعة «أصدقاء الأشجار» التي تزرع في ست مقاطعات في ولايتي أوريجون وواشنطن، «في جميع المجالات، فوائد الأشجار مذهلة.

وكلفتها أقل من حلول أخرى كثيرة». وزادت الفوائد الصحية للعيش بين الأشجار مع نمو الأشجار نفسها. ووجدت الدراسة أنه مع تقدم الأشجار في السن، ونموها، وزيادة طول أطرافها المورقة، انخفضت معدلات الوفيات بين الأشخاص القريبين من هذه الأشجار أو كما لخصها دونوفان «كلما كبرت الأشجار، كلما كان التأثير أكبر على الوفيات، وهذا ما قد يتوقعه المرء».

وتتماشى النتائج مع نتائج باحثين آخرين يقترحون أن الطبيعة دواء جيد لأمراض كثيرة، بما في ذلك الاكتئاب وارتفاع ضغط الدم. واقترحت دراسة حديثة أخرى في المجلة الطبية البريطانية «ذي لانست» أنه كان من الممكن تفادي ثلث الوفيات المبكرة من موجة الحر عام 2015 في أوروبا بغطاء من الأشجار أكبر بنسبة 30 بالمئة.

وقال ديفيد روجاس رويدا، الأستاذ المساعد في علم الأوبئة في جامعة ولاية كولورادو الذي درس الفوائد الصحية للنباتات، لكنه لم يشارك في هذه الورقة البحثية الأخيرة «لقد نظرت دراسات عالمية أخرى كثيرة في أسئلة بحثية مماثلة لكنها تستخدم تصميمات دراسة مختلفة.

وتؤكد معظم الأدلة أن غرس الأشجار مفيد في الحد من الوفيات المبكرة». وهناك أسباب كثيرة تجعل الأشجار تعزز الصحة، بما في ذلك تحسين جودة الهواء وتقليص الإجهاد وزيادة النشاط البدني بين أولئك الذين يعيشون في الأحياء التي تصطف على جانبي شوارعها أشجار. والعلاقة بين زراعة الأشجار وخفض معدلات الوفيات تنطبق على كل من الأحياء المورقة بالفعل التي تميل إلى أن تكون أكثر ثراء، والأحياء الجرداء من الأشجار والتي تميل إلى أن تكون أكثر فقراً.

وقال دونوفان «وجدت الدراسات علاقات بين التعرض للبيئة الطبيعية وتحسن الصحة في مجموعة واسعة من المدن والبلدان المختلفة. نحن نعلم بالتأكيد أن تلوث الهواء والتوتر والسلوك الكسول ضار للناس بغض النظر عن عرقهم أو وضعهم الاجتماعي والاقتصادي». ولسوء الحظ، يبدو أن العكس صحيح أيضاً. فمعدلات الوفيات ترتفع في المناطق التي تفقد غطاء الأشجار.

ففي دراسة سابقة، لاحظ دونوفان وزملاؤه ارتفاعاً طفيفاً في الوفيات المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي السفلي في مقاطعات من مينيسوتا إلى نيويورك، فقدت الأشجار بسبب آفة تنخر جذوع الأشجار وتسمى حفار الرماد الزمردي. والدراسة خارج بورتلاند لها قيودها. فلم يتمكن فريق دونوفان من الوصول إلى السجلات الصحية للأفراد. لكن الفريق نظر في إجمالي الوفيات في الأحياء.

ولم يكن لدى الباحثين بيانات مفصلة أخرى يمكن أن تلقي الضوء على عوامل أخرى تؤثر على صحة السكان، مثل معدل التدخين في الحي. ولم تصل الورقة إلى حد التأكيد على علاقة السبب والنتيجة المباشرة بين الأشجار والوفيات. لكن دونوفان أخذ هذا البحث بعين الاعتبار. ويقيم دونوفان في بورتلاند منذ عام 2002، وزرع أشجار التين والخوخ والكمثرى في فناء منزله في ولاية أوريجون.

*صحفي يغطي الحياة البرية والتنوع البيولوجي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكشن»